القضية الفلسطينية أكبر تحد واجهته الأمة العربية في العصر الحديث، وقد حظيت باهتمام الأديب العربي منذ وعد بلفور الذي اعترف بحق اليهود المزعوم في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وما جره هذا الوعد من مآس؛منها الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستيطان اليهودي في ظل الانتداب البريطاني، وما أسفر عنه من احتياز الأراضي بالترغيب والترهيب، وتشكيل العصابات الصهيونية التي مارست، ألوانا من الإرهاب لقمع النضال الفلسطيني.
وقد عبّر الأديب العربي عامة، والفلسطيني خاصة عن هذه المرحلة؛ فنبّه إلى الخطر المحدق، ومجّد كفاح أبناء فلسطين وثوراتهم المتلاحقة، وندّد بالاستعمار البريطاني، وصوّر البطولات والتضحيات، كما أشاد بالروابط المتينة التي تربط أبناء الوطن الكبير كلهم، وتجعلهم يحسّون ألم فلسطين كما يحسّون آلامهم الخاصة.
فقد مجّد الأدباء الجهاد العظيم الذي يجاهده أبناء فلسطين, إنّه لجهاد ثمين قدمت فيه التضحيات وسفكت فيه الدماء العزيزة رخيصة من أجل الحرية، وهو الجهاد الذي جعل أهله يرتقون أعلى مراتب المجد، ويرفعون صرحًا للعزة لا يحلم سواهم أن يصل إليه. يقول بشارة الخوري ممجّدًا ذلك الجهاد:
يا جهادا صفق المجد له ** لبس الغار عليه الأرجوانا
شرف باهت فلسطين به ** وبناء للمعالي لا يدانى
يحق لفلسطين أن تفخر بهذا الجهاد المقدس الذي رفعها إلى مرتبة عالية يعز الوصول إلى مثلها، ما دام المجد نفسه قد أبدى إعجابه الكبير به، وما دامت أروع التضحيات مبذولة دونه.
ويبرز الأدب تلك العاطفة القومية الكبيرة التي تجيش في صدور العرب كلهم بإحساسهم بآلام الأخت العزيزة فلسطين، إنّهم يقدّرون ذلك الجهاد، ويتعاطفون مع تلك الآلام ويستجيبون لتلك الشكوى الخافتة التي تبوح بها الشفاه العربية الجريحة، يستجيبون لها ويضعونها في القلب والعين. يقول بشارة الخوري مؤكّدًا هذا المعنى:
إن جرحا سال من جبهتها** لثمته بخشوع شفتانا
وأنينا باحت النجوى به ** عربيا رشفته مقلتانا
فهذا الجرح الكبير أحست به الأمة كلها وذلك الألم العربي أصاب القلوب العربية أجمعها وتلك المصائب العظيمة أنست العرب ما يكابدونه هم أيضا من آلام ومحن وخطوب ونوائب.
ولا يفتأ الشعراء يؤكدون أن مصاب فلسطين مصاب للأمة العربية كلها, وليس مصاب أبناءها وحدهم، لأن العرب كلهم على اختلاف معتقداتهم، تجمعهم رابطة العروبة، التي تلقوها مع لبن الأمهات، وتربّوا عليها في ملاعب الطفولة ومدارج الصبا، فهم يمجّدون جهاد فلسطين لأنه عربي، وفلسطين لها مكانة روحية عند المسلمين والنصارى على حدّ سواء، ولا تقلّ عنها منـزلةً المدينة المنوّرة يثرب، فهما معًا قبلة لكلّ العرب الشرفاء يقول بشارة الخوري:
نحن يا أخت على العهد الذي** قد رضعناه من المهد كلانا
يثرب والقدس منذ احتلما ** كعبتانا وهوى العرب هوانا
فما زال العرب كلهم على عهد الأخوة الذي نشؤوا عليه, وما زالت قلوبهم تحن إلى المدينة المنورة التي نشأت فيها دولة عزيزة للعرب والمسلمين, وإلى القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومهد المسيح عليه السلام.
ويلتفت الأدباء إلى تمجيد الشهادة، ولم لا؟ فهي سبيل ذلك المجد العظيم، وطريق تلك العزة الشامخة، إنّ تلك النفوس التي قدّمت لها ليست رخيصة على الإطلاق، بل هي من أعزّ النفوس وأغلاها، إنها بما قدّمته من عطاء تحيل الجحيم إلى جنة، وتقلب الشتاء الضاري إلى ربيع ضحوك، إنها وحدها من يفتح أبواب الحرية. يقول بشارة الخوري:
شرف للموت أن نطعمه** أنفسا جبارة تأبى الهوانا
وردة من دمنا في يده *** لو أتى النار بها حالت جنانا
حقٌّ للموت أن يفخر بأننا نقدم له تلك النفوس العزيزة التي تأبى الذل, ودماء الشهداء تتفتح ربيعا زاهرا في وسط جحيم الاحتلال البغيض، وتبشر بالحياة الحرية الكريمة للأمة كلها.
ويندّد الأدباء بالاستعمار البغيض، ويتحدونه ليستخدم أعنف ما لديه من بطش وإرهاب، وأشد أسلحته فتكًا, بالطريقة التي يريدها، فهذا الشعب المجاهد لن يخيفه بطش ولن يرعبه جبروت محتل غاصب. يقول بشارة الخوري:
انشروا الهول وصبوا ناركم ** كيفما شئتم فلن تلقوا جبانا
أيها المستعمرون الجبناء، افعلوا ما شئتم، واستخدموا ما لديكم من سلاح، وما لديكم من حقد وقسوة، فلن يجبن أحد من أبناء هذا الشعب, ولن يخضع لقوتكم وأسلحتكم الفتاكة.[b][center]