المرأة تعمل والرجل في البيت: حالة تولد الارباك في غياب التفاهم بين الزوجين
تستذكر نانسي علي الذكريات المؤلمة عندما فقد زوجها وظيفته وبقي في المنزل مدة تزيد على الستة أشهر إلى أن وجد عملا آخر.
وتصف نانسي (29 عاما) الحالة الصعبة التي عانى منها زوجها في هذه الفترة والاكتئاب الذي شعر به جراء بقائه في البيت، واستمرارها هي في عملها وتحمل أعباء المنزل ومسؤولياته.
وكانت نانسي الموظفة في إحدى الشركات الخاصة قد حاولت قدر المستطاع التخفيف عن زوجها وعدم جرح مشاعره او إشعاره بأنها هي من تتحمل نفقات المنزل واحتياجاته.
وعانت نانسي من إحساس زوجها بالرفض لكل ما تقدمه له، إذ "كان يخجل أن يطلب احتياجاته كي لا يشعر أنه يكسر نفسه لي".
وخلال هذه الفترة تعرضت نانسي لعدة مواقف محرجة مثل خروجها مع زوجها برفقة الأصدقاء، إذ كانت معظم الأسئلة والنقاشات تنصب داخل إطار عملها، من دون التطرق للزوج لعلمهم أنه فقد وظيفته، ما جعله يتهرب باستمرار من الخروج معهم.
وعانت رانية منصور (33 عاما) من الوضع ذاته، إذ كانت تعمل وزوجها في دولة الكويت واضطرتهما الظروف للرجوع إلى الوطن، والبدء في التأقلم مع الحياة الجديدة عليهما نوعا ما.
تقول رانية "عند رجوعنا مباشرة قمت بالتقدم للوظيفة وحصلت على العمل المناسب بشكل سريع، إلا أن زوجي أخذ وقتا طويلا في التحضير لافتتاح عمله الجديد، وخلال هذا الوقت حصلت بيننا الكثير المشاكل والصعوبات".
وتوضح "لم يعد زوجي يتعاون معي كما كان في السابق وبدأ يتعمد مضايقتي بطلباته التي لا تنتهي، لا سيما عندما يراني منهكة من العمل. كما كان ينزعج كثيرا عندما يراني أتحدث إلى صديقاتي في أي شأن يخص عملي".
ويشير الاستشاري الأسري أحمد عبدالله إلى أن جزءا كبيرا من تقدير الرجل لذاته هو من خلال عمله، و"عندما يفقد هذا الشعور نتيجة تركه لعمله فإنه سيؤثر سلبيا على نفسيته وعلى المحيطين به"، لهذا ينصح عبدالله بضرورة احتواء هذا الموقف باعتباره مرحلة مؤقتة ستنتهي قريبا.
بيد أن نصيحة عبدالله تتصادم مع حكاية السيدة ربى علاء، إذ لم تكن تعلم أن زوجها قد ترك عمله مدة ثلاثة أشهر كاملة من دون أن يعلمها بذلك، إذ اكتشفت هذا الأمر عن طريق الصدفة.
تقول "لم أشعر بأن زوجي قد ترك العمل، إذ كان يستيقظ باكرا ويخرج من المنزل ويعود في الوقت نفسه الذي تعود أن يرجع فيه عند انتهاء عمله، ومع مرور الأيام علمت أنه ترك عمله عن طريق صديقله كان يعمل معه في نفس المكان".
وتزيد "عند علمي بذلك حصل بيني وبينه شجار كبير بسبب تكتمه عن هذا الموضوع، وقال لي إن مشكلة كبيرة حصلت معه اضطرته لأن يترك العمل، كما أبلغني بأن كرامته لم تسمح له بأن يجلس في البيت، لهذا كان يحاول الخروج والبحث عن عمل جديد من دون علم زوجته، كي لا يشعر بالحرج أمامها".
ويبين عبدالله أن كثرة تواجد الرجل في البيت بسبب ترك عمله لها دلالات عديدة، إذ يصبح في مقدوره أن يلاحظ تفاصيل جديدة عليه لم يكن يلاحظها من قبل، مثل طريقة إدارة زوجته للبيت والأولاد والتي جعلته يطلق أحكاما لم يكن يطلقها من قبل.
لهذا يتوجب على الزوجة، بحسب عبدالله، أن تتفهم وضع الرجل في هذه المرحلة الحرجة والقاسويشدد عبدالله على ضرورة احتواء المرأة للرجل قدر المستطاع، مشيرا إلى أن "الرجال سوف يتذمرون تلقائيا عند رجوع الزوجة من العمل خلال تلك الفترة، فتصبح بينهما مشاحنات ويتعمد أحيانا الإكثار من طلباته في الوقت الذي يعلم به أن زوجته منهكة من عملها".
ويحث عبدالله على ضرورة أن تتصرف المرأة بذكاء، "بألا تشعر زوجها أبدا بأنه عاجز أو ينقصه شيء ما"، مبينا أهمية أن تقدر الزوجة هذه المرحلة والظرف النفسي المؤقت للرجل إلى أن تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي.
ويضيف "إذا أرادت الزوجة جلب شيء ما للبيت، عليها أن تأخذ رأي زوجها بذلك، وألا تتصرف وحدها في أمور المنزل كي لا يشعر الرجل بأنه مهمش".
ويعكس كلام عبدالله التقسيم التقليدي لوظائف المرأة والرجل في المجتمع العربي، إذ يشير اختصاصي الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة إلى أنه إذا تم تعريف الدخل بين الذكر والأنثى باعتباره دخل الأسرة وليس دخل الفرد، فإن هذا سيضعهما في موقع التكافؤ، وسيخفف من وقع حادثة اضطرار الزوج لترك عمله، إذ أن متطلبات الحياة للعائلات الأردنية أصبحت كثيرة ولا تستطيع العائلة أن تعيش بأقل من دخلين.
ويدعو الحباشنة إلى ضرورة تغيير القوالب الفكرية بما أن الرجل يريد أن تشاركه الأنثى في هذه الحياة بحلوها ومرها، فيجب عليه كسر النمطية السائدة.
كما أن تعاملالمرأة والرجل بشراكة واحدة وعملية توحد مع الآخر يسهل من أي حادث طارئ عليهما، مشيرا إلى أن "الحياة الزوجية حياة تبادلية، وإذا كان التفكير عكس ذلك فإن المعادلة ستكون خاطئة".
ويؤكد الحباشنة على وحدة الأسرة ووحدة إنتاجيتها، مشددا على أهمية "الابتعاد عن المعايرة بين الزوجين التي تغير الكثير من المعايير السلبية لنواحٍ إيجابية".
ويبين الحباشنة أن هنالك الكثير من الرجال من ذوي الشخصيات الصعبة جدا، لذا ينصح بـ"تفاهم الأزواج بالطرق الطيبة وان تحاول الزوجة دائما التخفيف عن زوجها والوقوف إلى جانبه"، مشيرا إلى ضرورة استشارة الطبيب المختص في حال لم تصل الأمور بين الأزواج إلى الحل اللازم.
ويبين أستاذ الفقه والشريعة الدكتور هايل عبد الحفيظ من الجامعة الأردنية أن ما يخفف من حدة المشاكل بين الأزواج في هذه الحالة، هو أن يفهم الطرفان أن معنى الزواج يقوم على "حياة تشاركية، فلا يمنّ أحد الزوجين على الآخر، وأن يقدر الزوج الحس الإنساني للزوجة عند عملها".
ويشير عبد الحفيظ إلى أن عقد الزواج تترتب عليه آثار بوجوب نفقة الرجل وليس الزوجة على البيت، مبينا أن "إنفاق الزوجة على البيت من ناحية شرعية يتيح لها أن تطالب بما أنفقته إن هي أرادت وطلبت ذلك".
وإذا لم تطالب الزوجة بما أنفقته واعتبرته مساهمة ومساعدة منها في المنزل لغايات المشاركة مع زوجها، فإن هذا، وفق عبد الحفيظ، يدخل ضمن القواعد العامة والتعاون بين الزوجين، مبينا أن "الحسابات المادية جزء مطلوب لكن طبيعة الأسرة وتفاهمها اسمى من كل هذه المشاكل".
كما أن خروج المرأة للعمل، بحسب عبد الحفيظ، ومشاركتها في النفقة يعد عملا إيجابيا ومطلوبا في الحياة، مشيرا إلى أهمية عدم اعتماد الزوج على عمل زوجته، إذ ينتابه الكسل ويتكل على الزوجة في تأمين متطلبات المنزل، وهو ما "يتنافى مع الأخلاق والمروءة والمبادئ