ساكتب ما هو عايش في قلوب الناس واكتب ما هو سبب الهموم وما يحمله القلب ساكتب عن جرح الزمن وما سبب الجراح (شحطان ابن قحطان ابن بطوف ابن عم سيف يواجه الآباء تحديات كثيرة لا يمكن أن نتجاوزها نظراً لأهميتها، ويقوم جزء كبير من نجاح التربية الأسرية، على الأساليب التي يعتمدها الأهل، وعلى مستوى نضجهم وفهمهم لمتطلبات الدور المطلوب منهم القيام به لتنشئة أولادهم... وعموماً، على الآباء التفرّغ لأولادهم واحتضانهم احتضاناً شاملاً يكفل لهم نمواً معنوياً آمناً، وتوجّهاً سلوكياً صائباً، تتركز فيه الثوابت والمعايير الأصيلة التي ترفد استعدادهم الذاتي وترسّخ فيهم الإحساس بالمسؤولية الذي تبدأ منه مقاييس النجاح.
"... إن الاعتماد على النفس هو الخاصة المطلوبة لولادة شخصية قوية وكفوءة..." هذا ما أكده "˜فرويد" ، الذي طالب بإشباع هذه الحاجة في الأبناء منذ الصغر، لأنها تزيد من قابليتهم على النضال والكفاح ومواجهة الحياة بسرّائها وضرّائها مواجهة عملية...
فالغاية من التنشئة تأهيل الجيل للمشاركة في الحياة الإجتماعية مشاركة عاقلة وإيجابية، وإذا نظرنا في ضغوط الحياة بدءاً من سنوات الدراسة الأولى وصولاً الى سنّ المشيب، نستنتج أن التحصين المبكر للشخصية له أعمق الأثر في إغناء النفس والفكر والسلوك،
من هنا، يجب أن تتوفّر للولد تنشئة ناضجة توفّر له المستوى المقبول من مكونات الشخصية الملتزمة ليتسنى له تحقيق ذاته، وبناء قراراته وخياراته معتمداً على جهده الشخصي، من دون الإتكال على دعم خارجي في تدبير أموره.
في تنشئة الأبناء، من المفروض أن نعمل على توجيههم بما يساعدهم على تنمية الثقة بإمكانياتهم الذاتية، وتدريب قدراتهم وصقلها، ودفعها للتحرر والظهور.
أخطاء غير مقبولة
وهنا تبرز مشكلة لا بد من إلقاء الضوء عليها، فالدعم المستمر للإبن ومساندته في تصريف أموره يجعله اتكالياً وقد يتملكه إحساس داخلي بأنه قاصر عن تدبير أموره بنفسه والقيام بأي عمل من دون دعم والديه، وهذا الشعور يؤذي الإبن في إمكانياته وإرادته، ويؤثر سلباً على مستوى أدائه الشخصي.
من الطبيعي أن يحلم كل أب وأم، بأن يعيش ولدهما حياة سهلة وهانئة، فالإبن عزيز جداً على قلب أبويه، وهما يريدان له الأفضل دائماً، وهذه المشاعر الأبوية التي يتمثل فيها الحب النزيه الخالص، تحمل الأب والأم على مساندة الإبن في كل موقف وظرف، باعتبار، أنه يحتاج باستمرار الى دعم أبويه، طفلاً كان أو بالغاً.
فإذا فقد الإنسان إيمانه بنفسه وثقته بقدراته، يصبح عاجزاً عن استغلال طاقاته كما ينبغي، حتى ولو كانت لديه صفة الذكاء والاستعداد لتحمل المسؤولية. في المقابل حين يشعر الولد أنه وحده مسؤول عن نتائج أعماله يكون أكثر انتباهاً وحذراً ونضالاً لإظهار جدارته وقدرته على القيام بالمطلوب منه.
وهذا الإحساس يعطيه الحماس لتفجير طاقاته الإبداعية، ويحفّز فيه الميل لشق طريقه بنفسه.
وسط هذه الإضاءات الدالّة على أهمية الدور الأبوي ودقته في تنشئة الأبناء تنشئة عاقلة كي لا تأتي النتائج على عكس ما هو مطلوب، تبرز أهمية أن يسلك الآباء مسالك واقعية وبنّاءة في تربية أولادهم، بدءاً بتوجيـههم نحو الإعتماد على النفس وانتهاءً بغرس القيم والمبادئ التي تنمي فيهم إمكانية التواصل الإيجابي مع الآخرين.
إن جزءاً كبيراً من نجاح النشء وتفوّقه، يتصـل اتصـالاً وثيقاً بمدى تمتع هذا النشء بتربية أسرية سليـمة تُذكي فيه المعايير والخصال التي تسانده لينطـلق انطلاقة سوية.
وفي المقابل، إذا كان لا بد من الوفاء لشروط التربية الهادفـة الى حمايـة الجيل من التشـتت والفـشل والضياع، فمـن الواجب إذن، أن نحترم الصيغة التربوية التي توصـي برفد حسّ المبادرة في أولادنا وبدءاً من عمـر الطفـولة الأول، لأن الولد في هذا العمر يكون جاهزاً لاكتساب المهارات التي ترفد نموه المعرفي والسلـوكي والخـلقي، ولديه القابلية لتأكيد استقـلاليته، والتعبـير عن نفسـه.
و هناك خطوات عملية يمكـن أن نتبعـها في تنشـئة أولادنا في سن مبكر حتى يقلّ اعتمادهم علينا وتتعزز فيهم الثقة بالنفس، لأنه حين تكون الثقة بالنفس غائبة، يستولي على المرء الشك في مهاراته الخاصة، وتتملكه أحاسيس متـناقضة، ومقرونة بصراع داخلي يدور بين الخوف من عدم القيام الكامل بالمسؤولية وبين القيام بها على الوجه الأكمل.
وأمر آخر، يجب أن نأخذ في الإعتبار، أن مصلحة أولادنا فوق كل اعتبار، ومصلحتهم أهم بكثير من عاطفتنا الأبوية. فمشاعرنا تجاههم ومحبتنا الكبيرة لهم قد تدعم رفاههم النفسي * المعنوي، ولكنها وحدها لا تكفي لبناء شخصيتهم بناء متماسكاً ومثالياً.. وهذا الدعم في أحيان كثيرة يسيء الى أولادنا إساءة بالغة، إذ ينتج عنه المزيد من الإتكالية، ولكننا عندما نتركهم يعتمدون على أنفسهم نحميهم من الشعور بالعجز في غياب مساندتنا لهم.
في كـل مجال حياتي، من الثابت أن الإعتمـاد على الغـير، سمة مرفوضة إنسانـياً واجتماعـياً، والصحـيح أيضـاً، أن الإرتباط بالأسرة والاعتمـاد المطـلق عليها في كل صغيرة وكبيـرة، يجعـل الإبن يسقط فريسة لسلسلـة من المتاعب في المستقبـل، خصوصـاً في مراحل التعليم حيـث يواجـه صعوبة في تحمل مسؤوليات الدراسة بمفرده إذا كان قد تعوّد على الإتـكال على والديـه في إنجاز واجباته.
وهنا تجدر الإشارة، بأن المستقبل سيحتم ضرورة الإعتماد على النفس، والإنفصال عن الأسرة، وهذا الإنفصال سيكون مرهقاً للولد إذا كان اعتماده على أبويه اعتماداً مبالغاً فيه.
في هذا السياق نقول لكل أم: امنحي ابنك الحرية في حدود حتى تتضح له الأنشطـة والأفعال التي يجب أولاً القيام بها.. ولا بأس أن تشاركـيه في تدبير أمـوره، بشرط أن تحاولي الإنسحاب تدريجياً ليتعود الإتكال على نفسه.. فهذا يعطيه شعوراً بالأمان وبأنه كالكبار مسؤول عن أفعاله.