في مصنع خياطة القوانين ببلادنا العربية, تخاط السراويل والقمصان على مقاس البطون المنتفخة والمؤخرات التي فلتت من قبضة كل الأحزمة. في بلادنا لا يحتاجوا تجار الاستيراد وأصحاب المال والسلطان للمرور فوق القوانين، لأنه أصلا لا توجد قوانين بالمعنى المتعارف عليه في البلدان الجادة، يمكن أن تمنع هؤلاء من التعدي على الحق العام. لا يصح أن نسمي النصوص المتعلقة التي حبكت خيوطها في ورشات التقنين العربية بالنصوص القانونية، لعدم توفر الموضوعية والمنطق في مضامينها. لقد فاجأتنا ومازالت تفاجئنا هذه الورشات القانونية في كل مرة بقوانين تتنافى مع حرية الفرد والمفاهيم العامة المتعارف عليها في عالم الكرامة أين يُحترم الذكاء الإنساني. ففي كل مرة تطلع علينا "بقوانين"، ينكشف أمر خضوعها لأرباب المال والسلطان الذين نصبوا أنفسهم نوابا سوقيين على العرب بأموال الريع البترولي. بعض القوانين التي تفرزها هذه الصالات مثيرة للضحك وأخرى للبكاء. فالطريقة الهزلية والمستهترة والمحتقرة لحق المواطن البسيط وحريته كما يدعي مُسْتَغْبِيي الشعب، وما يحمون إلا مصالح أصحاب المال والنفوذ ومصالح البلدان المصدرة على حساب كل العرب أما الهدف منها هو تقييد المواطن والحد من حريته في إختيار مكان إشتراء حاجياته بإرغامه على الشراء عنوة من أسواقهم؟ والكل يعرف بقية القصة: عمليات إستراد سلع إستهلاكية ذات نفعية محدودة، بعضها مقلد لا تتوفر فيه معايير الجودة، ولا حتى الضمانات اللازمة، الهدف الوحيد منها إستنزاف إحتياط العملة الصعبة وتحويلها إلى حسابات خاصة في الخارج. القانون ليس جدار بل إطار مُنَظِّم للتعامل بين أفراد المجتمع، يمكن أن تكون حدوده واضحة وصالحة لتحرك الجميع في تناغم وتضامن، أو تكون مبهمة وجزئية يؤمن بها البعض ويكفر بها البعض الآخر.