هنالك أمور يمارسها بعضنا ويكرهها آخرون لأنهم يرون فيها إضعافا للعلاقة بين الناس يرى البعض فيها فوائد ويرى آخرون أنها منفرة وتصيب العلاقة بالجمود ومن تلك الأمور العتاب فإذا أخطأ أحدهم على آخرين أو عمل أمرا لم يتوقعونه منه أو تركهم في وقت كانوا ينتظرون منه الوقوف بجانبهم فإنهم يصابون بصدمة كبيرة عندها ينتظرون أن يلتقوا به ليعاتبوه والهدف من ذلك إيصال الرسالة إليه بأنه لم يكن عند حسن ظنهم0
هل العتاب محمود أم ممدوح؟ هل ورد العتاب في القرآن والسنة أم لا؟ وكيف كان السلف الصالح يمارسونه؟
إن الحياة لا يمكن أن تكون على وتيرة واحدة فلا بد فيها من الألم والأمل ولا يمكن أن يكون كل الناس كما تريد والمؤمن مبتلى
العتاب هو : أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ الطرفين الْغَضَبَ عَلَى الآخر لِخطأ صدر منه أو سُوءِ أَدَبٍ وربما تكون محبته فِي القَلْب، وقد عاتب الله أناسا عتاب المحب لأنه يحبهم وعاتب أناسا لأنهم يستحقون العتاب لسوء أعمالهم.
عاتب الله آدم وحواء لأنه فضله على غيره فأمر الملائكة وإبليس بالسجود له ونهاه وزوجه عن الأكل من الشجرة فأطاعا الشيطان وعصيا الرحمن فجاء العتاب الرباني لآدم وزجه" وَنَادَاهُ مَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَ ا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِين " ومع أن الله تاب على آدم وأخبرنا بأنه أخرج أبانا وأمنا من الجنة وحذرنا من طاعة الشيطان وأمرنا بأن نتخذه عدوا إلا أن الكثيرين أطاعوه فجاء العتاب من الله"وَإِذْ قُلْنَا لِلْملائِكَةِ اسْجُدُوا لأَدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أتتخذونه وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بدلا (50)"وهذا عتاب فيه لطف كأنه يقول: إنما عاديت إبليس من أجل أبيكم ومن أجلكم ، فكيف توالونه ؟
وفي نصرة حبيب الله محمد عاتب الله أهل مكة بل وكل أهل الأرض كما قال الحسن:عاتب الله جميع أهل الأرض غير أبي بكر" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فقد نصره الله "
أحيانا يكون العتاب عتاب المحب لحبيبه كما عاتب الله حبيبه محمدا عليه الصلاة والسلام في مواطن ومنها عتابه في قصة ابن أم مكتوم عندما جاءه يسأله في أمور الدين وكان الرسول ساعتئذ في حديث مع طائفة من المشركين مؤملا أن يفضى به الحديث إلى إيمانهم فلم يعن بأمر هذا المسلم السائل بل اعرض عنه عابسا فنزل قوله سبحانه { عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فآنت له تصدى وما عليك ألا يزكى و أما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى }
- بدأ هذا العتاب متحدثا عن الغائب وكأنه بذلك يريد أن يرسم الصورة لرسوله على لوحة يراها أمام عينيه على وجه غير وجهه، لتكون الصورة واضحة القسمات ، بينة المعالم ، فالمرء لا يرى وجه نفسه، - ثم اتجه العتاب إلى الخطاب في رفق قريب من العنف مبينا ما لعله يرجى من الخير من هذا الأعمى السائل ثم عقد موازنة بين من عنى به النبي ومن أعراض عنه، فهذا مستغن لا يعنيه أن يصغي إلى الدعوة أو يطيعها ، والآخر مقبل تملأ قلبه الخشية ويدفعه الإيمان وقد سجل القرآن معاملة الرسول لهما هذا العتاب يحمل في ثناياه عذر الرسول فهو ما تصدى لمن استغنى إلا أملا في هدايته وارشاده
وعتابه في أسارى بدر وعاتبه في العفو عمن لم يحضر غزوة تبوك من المنافقين" عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّن َ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِ ينَ " كما عاتبه في سورة الأحزاب في قصة زيد وزوجه زينب فقد وقول الرسول عليه السلام لزيد " أمسك عليك زوجك " أي لا تطلقها " إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وتخفي في نفسك ما الله مبديه " ولا يزال التاريخ يذكر لنا أنواعا من العتاب وجدت وستظل موجودة مسطرة
هذا موسى عليه السلام يعاتب أخاه هارون ولما علم براءته عاتب قومه " بئسما خلفتموني من بعدي "
وقد يقسو القران في العتاب ، بعد أن يكون قد استخدم الرفق واللين وذلك في الأمور التي يترتب على التهاون فيها ما يودى بالدعوة كما ترى ذلك في قوله سبحانه{ ياأيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ارضيتهم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذ بكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شي قدير}
ولعله بعد رفقه بهم وبيانه لهم أن متاع الحياة الدنيا قليل إذا قيس بمتاع الآخرة رأى ألا يقف عند هذا الحد من الموازنة بل مضى محذرا منذرا ومن العتاب القاسي لانه يمس اساسا من أسس نشر الدعوة لتأخذ طريقا إلى النصر والنجاح كما في قوله تعالى: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم* لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} - أما إذا لم يتصل العتاب بمثل ذلك من مهمات الأمور فان العتاب يرق ويلين كما ترى ذلك في قوله تعالى {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} - وقوله سبحانه{ ياأيها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم }
أما أهل النار فالله سيعاقبهم ولن يعاتبهم على ما فات من كفر به وبرسله " وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِ رُونَ " ولن يكتفى بالعتاب لأن العتاب إنما يطلب لأجل العود إلى الرضا " وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَ بُونَ "
احذر من عتاب الله لك فإذا علمت بمريض ولم تعده أو علمت بجائع أو ظمآن ولم تطعمه أو تسقيه فسيأتيك العتاب من الله كما في الحديث" يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني "
من أعظم مواقف العتاب ما حدث من الرسول عليه السلام مع الأنصار حينما قسم غنائم حنين رأعى المؤلفة قلوبهم من أهل مكة فظن الأنصار أن الرسول لقي اهله فأعطاهم ونسي الذين نصروه فبلغ الرسول الخبر فجمعهم وأمر أنس بن مالك أن لا يدخل أحد غير الأنصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الانصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علىَّ في أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهدا كم الله بى ؟ وعالة فأغناكم الله ؟ .. وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال ألا تجيبونني يا معشرالانصا ر؟ قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المن والفضل ، قال أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصر ناك وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك أوجدتم يا معشر الانصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا.ثم انصرف رسول الله ، وتفرقوا 00
أعاتب ذا المودة من صديق * إذا ما رابني منه اجتناب إذا ذهب العتاب فليس ود * ويبقى الود ما بقي العتاب
موضوع: رد: العتاب في القرآن الكريم الأربعاء مايو 26, 2010 3:12 am
نجد في القرآن الكريم كيف أن الله عزوجل كان يعاتب أنبيائه ورسله وعباده الصالحين .( عفا الله عنك لم أذنت لهم)( يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)( عبس وتولى .أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى)وحين نتأمل نصوص السيرة النبوية نجد ايضا كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الأمة على الأمة ، فكان يعاتب ويعتب .اقرأ في قوله صلى الله عليه وسلم ( نعم العبد عبد الله لو كان يقوم من الليل ) وهكذا .والذي يشد الانتباه ويلفت النظر ، سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب .وتقرأ في طيّات نصوص السنة شدة الحرص والرحمة بالأمة من خلال همسات العتاب ومواقفه .وبمثل هذا يبقى العتاب أسمى ما يكون حين يؤلف القلوب ويرتق الفتق في رحمة وإشفاق .ومن هنا وجب على المتحابين بجلال الله أن يرقوا بمعاتباتهم وأن تسموا بهم روح الإيمان فتتعانق الأرواح طهرا وحباً وهي تبلسم بعضها بعضا لتداوي جراحها بيد الإشفاق والعطف والرحمة تلكم هي الروح السامية بسمو الإيمان.تلكم هي الروح التي تأسرك بشفافيتها .الروح الطاهرة طهر المزن في سماءها .الروح التي تجذبك إليها بلطف .وتدفع عنك الأذى بحرص .تخرج منها الكلمة فتسمع روحك همسها قبل أذنك .إنها ليست معاتبة . بل هي همسات الروح للروح .فهل بلغنا مبلغ الأخوة التي يغبطنا عليها الأنبياء والشهداء والصالحون ؟أم أن نفوسنا لمّا تزل ترابيّة الأصل والطموح ؟
أخى الحبيب اولا موضوع كعادتك فى غاية الروعة وجميل ما شاء الله موضوع راائع اخى الكريم تعلمنا منه فن العتاب والمعاتبة بارك الله واعزك واكرمك وجزاءك الله خيرا