مَدينَةُ الأَحْلامِ قصّة للأطفال

مَدينَةُ الأَحْلامِ

قصّة للأطفال

يُحْكى أَنَّهُ كانَ في مَدينَةِ الأَحْلامِ قَصْرٌ عالٍ تَسْكُنُهُ امْرَأَةٌ ساحِرَةٌ، وقَدِ اتَّفَقَ الكُلُّ على أَنَّها طَيِّبَةٌ وتُحِبُّ الخَيْرَ للجَميعِ. وكانَتْ تَتَمَتَّعُ بِقُدُراتٍ غَيْرِ عادِيَةٍ في تَحْقيقِ أَحْلامِ النّاسِ.
كانَ قَصْرُ السّاحِرَةِ مَبْنِياً مِنَ الرُّخامِ الأَبْيَضِ المَطْلِيِّ بِالذَّهَبِ الأَصْفَرِ، لِهَذا كانَ يَلْمَعُ لَمَعاناً كُلَّما انْعَكَسَتْ عَلَيْهِ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ، فَيُثيرُ في النُّفوسِ أَحاسيسَ مُتَبايِنَةً مِنْ رُعْبٍ وحُبٍّ ورَغْبَةٍ في الاِسْتِطْلاعِ ورُكوبِ أَمْواجِ المُغامَرَةِ.
وكانَ الصُّعودُ إِلى القَصْرِ أَمْراً عَسيراً، ذَلِكَ أَنَّهُ كانَ مُقاماً على جَبَلٍ شامِخٍ. والّذي يحبُّ مُغامَرَةَ الصُّعودِ وَجَبَ عَلَيْهِ مُقاوَمَةُ تَضاريسَ صَعْبَةٍ ذاتِ مُنْعَرَجاتٍ وصُخورٍ صَلْدَةٍ.
اِسْتَطاعَ الشّابُّ الأَوَّلُ الصُّعودَ إِلى أَعْلى الجَبَلِ، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلانِ مُقَنَّعانِ يَحْمِلانِ سَيْفَيْنِ لامِعَيْنِ وأَدْخَلاهُ إِلى المَغارَةِ.
سَأَلَتْهُ العَجوزُ:
- أَخْبِرْني عَنْ حُلْمِكَ الّذي يُراوِدُكَ لَيْلَ نَهارَ؟
- أنْ أَصيرَ أَقْوى النّاسِ في المَدينَةِ!
- ولَكِنْ حَذارِ! فَالقُوَّةُ سُلْطَةٌ خادِعَةٌ يُمْكِنُ أَنْ تُدَمِّرَكَ..
- عَجَباً.. كَيْفَ تُدَمِّرُني؟ القُوَّةُ هِيَ سِلاحي الوحيدُ ضِدَّ الطَّبيعَةِ والحَيَواناتِ والإِنْسانِ.. أَسْتَطيعُ بِها قِيادَةَ سَفينَةِ حَياتي نَحْوَ شاطِىءِ السَّعادَةِ.
- هَلْ هَذا هُوَ طَلَبُكَ الأَخيرُ يا بُنَيَّ؟
- أَجَلْ.. أَجَلْ..
قامَتِ المَرْأَةُ السّاحِرَةُ حامِلَةً طَسْتاً مُلِىءَ ماءً سِرِّيّاً، وشَرَعَتْ تَقولُ كَلاماً مُبْهَماً، وأَمَرَتِ الفَتى بِشُرْبِ جُرْعاتٍ مِنَ الماءِ، وما تَبَقّى مِنْهُ يَغْسِلُ بْهِ سائِرَ أَعْضائِهِ.
وما كادَ الفَتى أَنْ يَنْتَهِيَ حَتّى أَحَسَّ أَنَّهُ أَقْوى رَجُلٍ في الكَوْنِ. حَمَلَ الطَّسْتَ المُقَدَّسَ وحَطَّمَهُ بِلا رَأْفَةٍ، ثُمَّ نَزَلَ بْسُرْعَةٍ دونَ أَنْ تَمْنَعَهُ التَّضاريسُ الوَعْرَةُ..
في اليَوْمِ الثّاني صَعَدَ فَتىً ثانٍ، فَدارَ بَيْنَهُ وبيْنَ العَجوزِ الحِوارُ التّالي:
- ما حُلْمُكَ أَيُّها الفَتى؟
- المالُ.. المالُ ولا شَيْءَ غَيْرُهُ!
- وما سَبَبُ عِشْقِكَ الكَبيرِ لِلْمالِ؟
- لأَنَّهُ سُلْطَتي.. أَسْتَطيعُ أَنْ أَشْتَرِيَ العالَمَ كُلَّهُ. لَكَمْ حَلِمْتُ أَنْ يَكونَ لي قَصْرٌ مِنَ الذَّهَبِ الخالِصِ، وخُيولٌ رَفيعَةٌ، وحُقولٌ مُمْتَدَّةٌ مِنَ الشَّرْقِ إِلى الغَرْبِ..
فَقاطَعَتْهُ العَجوزُ مُسْتَفْسِرَةً:
- أَلا تَرى أَنَّ المالَ قَدْ يُفْسِدُ عَلاقَةَ النّاسِ بِكَ، فَتَتَحَوَّلُ مِنَ صداقَةٍ كَريمَةٍ إِلى عَداوَةٍ مُسْتَديمَةِ ؟
- قَطْعاً.. أَنا أَرى عَكْسَ ما تَرَيْنَ أَيَّتُها السّاحِرَةُ!
قامَتِ العَجوزُ، ضَرَبَتْ كَفّاً بِكَفٍّ، فَدَخَلَ رَجُلانِ قَوِيّانِ يَحْمِلانِ صُنْدوقا عِمْلاقاً وقَدْ حُشِيَ ذَهَباً، لَمّا فَتَحاهُ أَوْشَكَ الفَتى أَنْ يَفْقِدَ عَقْلَهُ، فَصَرَخَ مَذْهولاً:
- ما أَجْمَلَ لَمَعانَ الذَّهَبِ.. إِنَّهُ صُفْرَةُ الجَنَّةِ!
ثُمَّ نَزَلَ، والسَّعادَةُ تَغْمُرُهُ، غَيْرَ عابِىءٍ بِتَضاريسِ الجَبَلِ..
مَرَّتْ سَنَةٌ، فَتَغَيَّرَ الفَتَيانِ: أَصْبَحَ الأَوَّلُ عَنيفاً مُشاكِساً، يَتَحَكَّمُ في رِقابِ النَّاسِ ويَسْتَعْبِدُهُمْ، وكُلَّما تَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَحََدٌ بالنُّصْحِ قَتَلَهُ غَيْرَ آسِفٍ عَلَيْهِ. وكانَ سُكّانُ المَدينَةِ يَتَأَلَّمونَ بِصَمْتٍ، لَكِنَّهُمْ غَيْرُ قادِرينَ على تَغْييرِ الـمُنْكَرِ. أَمّا الفَتى الثّاني فَقَدْ تَحَكَّمَ بِمالِهِ في المَدينَةِ وأَصْبَحَ يَخْشاهُ النّاسُ كِباراً وصِغاراً، حَتّى حُرّاسُ المَدينَةِ الشُّجْعانُ الأَشِدّاءُ أَصْبَحوا خاضِعينَ لَهُ، مُؤْتَمِرينَ بِأَمْرِهِ.
أَمّا الفَتى الثّالِثُ، الّذي كانَ يَطْمَحُ بِدَوْرِهِ إِلى صُعودِ الجَبَلِ، فَقَدْ آلَمَهُ ما حَدَثَ لِلْمَدينَةِ بِسَبَبِ الفَتَيَيْنِ الشِّرّيرَيْنِ اللّذَيْنِ مَلَكا النّاسَ؛ الأَوَّلُ بِمالِهِ والثّاني بِقُوَّتِهِ.
كانَ الفَتى الثّالِثُ مَحْبوباً مِنْ لَدُنِ جَميعِ السُّكّانِ.
قالَ لَهُ أَحَدُ شُيوخِ المَدينَةِ:
- لا بُدَّ مِنْ إِخْبارِ السّاحِرَةِ الطَّيِّبَةِ.. إِنَّ الأَمْرَ يَسْتَفْحِلُ بِشِدَّةٍ.. وإِنَّكَ مُؤَهَّلٌ لِهَذا الأَمْرِ بِفَضْلِ خُلُقِكَ ونُبْلِكَ وشَجاعَتِكَ..
وهَكَذا قَرَّرَ الفَتى الثّالِثُ المُجازَفَةَ، وكانَ اسْمُهُ عُمَرَ.
صَعَدَ إِلى القَصْرِ فَاسْتُقْبِلَ أَحْسَنَ اسْتِقْبالٍ، ودَخَلَ إِلى غُرْفَةٍ عَلَيْها نُقوشٌ مَحْفورَةٌ بِأَحْرُفٍ غَريبَةٍ. قالَتِ العَجوزُ:
- أَجاءَ بِكَ حُلْمٌ كَبيرٌ أَرْعَنُ مِثْلَ اللَّذَيْنِ سَبَقاكَ؟!
نَظَرَ إِلَيْها عُمَرُ مُعاتِباً وأَطْرَقَ يَبْكي بُكاءً مُرّاً..
- ماذاحَدَثَ لَكَ يا بُنَيَّ!
- لَقَدْ أَفْسَدْتِ المَدينَةَ، دونَ قَصْدٍ مِنْكِ، أَيَّتُها السّاحِرَةُ الطَّيِّبَةُ!
وَقَفتِ المَرْأَةُ مُتَوَتِّرَةً ورَدَّتْ:
- كَيْفَ تَجْرُؤُ على قَوْلِ هَذا؟ أَتَعْتَبِرُني مَصْدَراً لِلْفَسادِ؟!
- لَقَدْ أَفْسَدْتِ المَدينَةَ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُباشِرٍ.. الفَتَيانِ اللَّذانِ مَنَحْتِهِما المالَ والقُوَّةَ نَسِيا واجِباتِهِما وشَرَعا يَنْشُرانِ الفَسادَ والظُّلْمَ في المَدينَةِ.. إِنَّ النّاسَ عَلى وَشْكِ الاِنْهِيارِ والمَوْتِ.. وحُلْمي يا سَيِّدَتي، إِنْ كانَ لي حُلْمٌ، هُوَ أَنْ تَسْتَرِدّي مِنْهُما ما مَنَحْتِهِما عَسى المَدينَةُ أَنْ تَنْعَمَ بِالسِّلْمِ والأَمانِ.
وَقَفَتِ المَرأَةُ مَرَّةً أُخْرى، لَكِنَّها دونما تَوتُّرٍ، كانَتْ تَرْتَسِمُ على مُحَيّاها ابْتِسامَةٌ عَريضَةٌ، وقالَتْ:
- لَقَدْ كُنْتُ مَدْرِكَةً لِما سَيَحْصُلُ.. إِنَّها تَجْرِبَةٌ أَدْخَلْتُهُما فيها؛ أَرَدْتُ أَنْ أَعْرِفَ هَلْ يَسْتَطيعانِ مُقاوَمَةَ الشَّهَواتِ ومَلَذّاتِ الحَياةِ، أَمْ أَنَّهُما سَيَسْقُطانِ في الهاوِيَةِ!
قالَ عُمَرُ مُتَلَهِّفاً:
- وما الحَلُّ أَيَّتُها السّاحِرَةُ الحَكيمَةُ؟
أَعْطَتِ السّاحِرَةُ لِعُمَرَ ماءً مُقَدَّساً وأَمَرَتْهُ بِأَنْ يَرُشَّ بِهِ الشّابَّيْنِ الشِّرّيرَيْنِ.
ولَمّا فَعَلَ انْتَهى أَمْرُهُما: الفَتى القَوِيُّ فَقَدَ عُنْفُوانَهُ وشِدَّتَهُ، فَلَمْ يَبْقَ أَمامَهُ إِلاّ البُكاءُ على مَاضيهِ الجَميلِ المُنْقَرِضِ كَالسَّرابِ، وبَعْدَ أَيّامٍ أُصيبَ بِمَرَضٍ خَبيثٍ فَقَعَد في الخَلاءِ لا أَحَد يُبالي بِهِ إِلى أَنْ ماتَ مَيْتَةً قَبيحَةً، فَتَعَفَّنَتْ جُثَّتُهُ وطارَتْ في الأَرْجاءِ رائِحَتُها الكَريهَةُ، ولأَنّها لَمْ تَجِدْ مَنْ يَدْفِنُها، فَقَدْ هَجَمَتْ عَلَيْها النُّسورُ الجائِعَةُ هُجوماً شَرِساً.
بَيْنَما الفَتى الغَنِيُّ أَضاعَ ثَرْوَتَهُ كُلَّها، وبَدَأَ يَتَسَوَّلُ النّاسَ الصَّدَقاتِ، ثُمَّ بَلِيَتْ ثِيابُهُ وسَقَطَتْ مُعْظَمُ أَسْنانِهِ وابْيَضَّ نِصْفُ شَعْرِهِ، أَمّا النِّصْفُ الثّاني فَقَدْ تَساقَطَ بِسَبَبِ المَرَضِ الشَّديدِ والفَقْرِ العَنيدِ.
يَقولُ النّاسُ أَنّهُ ماتَ مَيْتَةً أَقْسى وأَسْوَأَ مِنْ مَيْتَةِ الرَّجُلِ الأَوَّلِ: شُلَّتْ أَطْرافُهُ دُفْعَةً واحِدَةً، وتَعَطَّلَتِ الحَرَكَةُ في حَواسِّهِ، فَكانَتِ العقارِبُ والزَّواحِفُ تَلْذَعُهُ دونَ أَنْ يُقاوِمُ، حَتّى لِسانُهُ أُصيبَ بِشَلَلٍ كُلّيٍّ، لَقَدْ حُرِمَ حَتّى مِنَ البُكاءِ والصُّراخِ!
مَرَّتْ أَشْهُرٌ فَماتَتِ السّاحِرَةُ، اِجْتَمَعَ السُّكّانُ ودَفَنوها في مَكانٍ نَظيفٍ. كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ بَكَوا عَلَيْها بِدُموعٍ صادِقَةٍ. وتَمَّ في نَفْسِ اللَيْلَةِ اجْتِماعٌ بينَ شُيوخِ المَدينَةِ أَسْفَرَ عَنِ اخْتِيارِ الفَتى الشُّجاعِ عُمَرَ أَميراً عَلَيْهِمْ، وهَكَذا عاشَتِ المَدينَةُ بِسَلامٍ وطُمَأْنينَةٍ وكانَ ذَلِكَ بِفَضْلِ قَناعَةِ عُمَرَ وشَجاعَتِهِ.

[size=24]بارك الله فيك قصة جميلة جدا
بكلماتها و عباراتها
و عبرها و حكمها مفيدة لأطفالنا
يأخذون منها الفائدة و العبرة

[/size]

» صور جميلة جدا للأطفال
» شجرة الصلاة للأطفال والناشئة لتعويد الأطفال على الصلاة