إني لأرى فيها ذكرى لمن أراد أن يذّكّر، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وحتماً سيذكر من يخشى !
لقد نظمتُ بيتين من الشعر فاضت بهما قريحتي، ولست من مجيدي نظم الشعر ولا أدعي ذلك، ولكنها لحظة أبت إلا أن تفرض نفسها فقلتُ :
لقد طافت منون الحق قبلك
بأسد لا يُشقُ لهم غُبارُ
فهـــذى سُنَّــة كُتِبتْ علينا
فهل من سنة كُتِبت فِرارُ
نعم إنه الموت، كأس لابد لكل نفس أن تَحْتَسيَهُ، فلن يتأخر عنه غني لغناه، ولن يتجرأ على فقير لفقره , المنايا لن تخشى قوياً لقوته، ولن تبادر الضعيف لضعفه، ولكنه الحق المبين، والموعد المحتوم (إنك ميتٌ وإنهم ميتون) (كل شيء هالك إلا وجهه) (كل نفس ذائقة الموت).
وبما أن الأمر كذلك فتبقى العبرة بالخواتيم، فهنيئاً لمن أعدَّ العُدَّة، وأحسن الاستعداد، وتزّود بما يثقل به ميزانه يوم العرض على الله :
يريد المـرءُ أن يُؤْتى مُناهُ
ويأبــى الله إلا مـــا أرادا
يقول المرءُ فائدتي ومالي
وتقوى الله خير ما استفادا
الموت كما قد قيل، يهدِمُ اللذّات، ويفرّق المجتمعات، مُيتم البنين والبنات، مخرب الديار العامرات، نقل أهل القصور إلى القبور، وسلّ على الأحياء سيفه المنشور، ألصق الخدود
باللحود، وساوى بين السيّد والمسود، يأخذ الطفل وفمه في ثدي أمّه، ويخنق النائم ورأسه على فم كُمّه، يدوس ذا البأس الشديد ويبطح كل بطل صنديد، يسحب الملوك من على العروش، ويركب الجيوش على النعوش، أسكت خطباء المنابر وأذهل حملة المحابر :أتيت القبـــور فناديتها
فأين المعظم وأين المحتقر
وأين المــذل بســلطانه
وأين العظيم إذا ما افتخر
تفانوا جميعاً فمــا مخبر
وماتـوا جميعاً ومات الخبر
أين من ولّى ومن عزل ؟ وأين من ظلم وأين من عدل ؟ وأين من سجن وقتل ؟ أين من دارت عليه الكؤوس ؟ وانخلعت من هيبته النفوس ؟ أين من طارت بأوامره الرؤوس ؟
أين من جمع و منع ؟
أين من وصل وقطع ؟
أين من اغتنى ومن افتقر ؟
أين من هُزم ومن انتصر ؟
أين من رفرفت عليهم الرايات ؟
أين من رُفعت لهم العلامات ؟
أين من أقيمت لهم الاحتفالات ؟
الكل وفد إلى الوعد الحق، ولكن الخواتيم اختلفت فلا تستوي الظلمات ولا النور
هل الميت القادم انا----! ام انت؟