لمحة وجيزة عن دوْرِ المرأةِ عبرَ العصورِ أسوقُها، كمَدخلٍ إلى ما آلَ إليه حالُها هذه الأيّام، ليسَ من منطلقِ التحيّزِ إلى فكرةِ التمييزِ بينَ الجنسينِ!
في المجتمعاتِ البدائيّةِ (الأموميّة)، للمرأة كانت السُّلطة العليا والسّطوة، في صياغةِ الشرائعِ المتعلقة بأنماطِ الحياة، وتشكيلِ تفاصيل الأدوارِ على اختلافاتها!
لكن، تبدّلتِ الأحوالُ والأفعالُ، فبعدَ أن كانتِ المرأة هي الفاعل الأساسيّ والمباشر في جميع أدوارها وقراراتها، صارت نائبَ الفاعل، أو المفعول به على الأغلب، فقد انقلبتِ الموازين والآيات، وباتت هي المغلوبة على أمرها، دون تمكّنها من المجابهة والمواجهة، أو حتى الاعتراض ورفع رأسها!
سرعان ما انتقلتِ السّلطة ليدِ الرّجُلِ، فتقلّدَ المناصبَ العليا، ووقفَ في وجهِ العنصرِ النسويّ بشدّةٍ وقسوةٍ وسطوةٍ ناقمةٍ غير محدودة، بعدما ساهمَ في كبْحِ جماحِها، ومنع نهوضها ثانية، وصارَ يُشرّعُ القوانينَ ضدّها، ويُنفّذُها ويُطبّقها بمفهوم ثقافةٍ ذكوريّةٍ، وأضحتْ حوّاءُ أشبهَ بكائنٍ دونيٍّ، تستوجبُهُ الحياة المفروضة تلبية مهمّاتٍ محدّدةٍ دونَ اعتراض، فهي ناقصة العقل والفِكر، محصورة مهمّاتُها الأساسيّة في المطبخ والمنزل، وخدمة الزوج وإنجابِ الأطفال!
عاشتِ المرأة في العصورِ الإغريقيّة مسلوبة الإرادةِ والحقوق والمكانةِ، ومُنع عنها التّعلّم، لكن بالمقابل، كانتْ حقوقٌ كثيرة تتمتعُ بها الجواري، مِن ممارسةِ الفنّ والغناءِ والفلسفةِ والنقاش في مجالس الرِّجال! !!!
أمّا في إسبارطة، وبسبب انشغالِ الرّجال بالحروب والقتال، فقد أعطيَت المرأة مكانةً أرفعَ، مِن حيث التجارة والبيع والوراثة والامتلاك والتوريث!
أمّا الوضع عندَ الفراعنة، فقد احتلّتِ المرأة سلطةً قويّةً في البيتِ والحقل والعملِ، ولمكانتِها الرّفيعة، كانتْ تقدَّم الأجمل منهنّ كضحيّةٍ للنيل، مِن أجل نيْلِ رضا الآلهة!
سبحان الله!
الجمالُ يغمرُكَ بشعورٍ غامضٍ طافح بالبهجة، لذا، لا بدّ من أن يُعاقبُ الجَمال وتُعاقبُ الجميلة! !!!
أمّا في الصّين فكانَ يُنظرُ للمرأة كحيوان معتوهٍ حقيرٍ ومُهان، وكانت المرأة في الهند تـُدفن أو تـُحرَق مع زوجها حينَ يموت!
فلتشكر المرأة الله أنها ليست في ذاك الزمان ولا ذاك المكان!
بَعدَ هذه اللّمحةِ عن التباعدِ الزّمكانيّ، ماذا حلّ بالمرأة في أيّامِنا الأخيرةِ القريبةِ؟
مع ظهور ما يُسمّى بحقوق المرأة، واعتبارِها إنسانًا يملكُ كفاءاتٍ وقدراتٍ كالرّجل أو أدنى أو أكثر، فقد حظيَتْ بما لم يكن لها ببال، ولم تعُدْ ذاك الظلّ دونَ صوتِهِ!
ففي الغرب وقبلَ عقودٍ معدوداتٍ، أخذ الرَّجلُ على عاتقِهِ فكرة التكفير عن بني جنسِهِ بحقِّ المرأةِ، وتغيير التوجّهِ والفِكر والظروفِ الاجتماعيّةِ القائمة والسائدة، حولَ دوْرِها ومكانتِها، فأتاحَ لها أن تخرجَ مِن صمتِها الأبكم الجامد، إلى حيّز الصّوتِ والظهور، بعدَما قادَ حركة تثقيفيّة تُمكّنُها مِن النهوض، وسعى إلى إزالةِ الحواجز الماثلة أمامَ تقدّمِها، وقد آمن بضرورة إسهامِها بدوْرٍ فعّال، لتحقيق حضورِها واستقلاليّتِها الاقتصاديّة واستقرارها المعنويّ والماديّ!
لكن…
وبما أنّ الغربَ هو السّابقُ والشّرقَ هو اللاّحقُ على الأغلب، فكان لا بدّ للشّرق أن تطالهُ يدُ العدوى، لكن هل طالته الجدوى وبنفس الأسلوبِ والقدْر؟
هل استطاعَ الرّجلُ حقًّا أن يَضعَ يدَهُ، ويُؤشّرَ بإصبعِهِ على مكامِن قضايا المرأة من أجلِ حَلِّها؟