أيام البهجة بقلم فوزية سلامة

[b]كل عام وانتم بخير. هذا هو اول ايام شهر رمضان المعظم. ادعو الله لي ولكم باليسر والخير والبركة.
لا ابالغ حين اقول انني بالامس جربت احساسا فتيا بالبهجة . نفس البهجة التي كنت اجربها في الزمن البعيد حين كنت الرابعة من بين خمسة اخوة واخت واحدة نعيش في بيت صغير في القاهرة مع والدين محبين يبذل كل منهما كل ما عنده من اجلنا نحن الاولاد. كان لنا جيران نعرفهم ونأمن لهم. واقارب نزورهم ويزوروننا. ومعارف نتبادل واياهم تلك المجاملات البسيطة التي تؤلف بين قلوب الناس. كان شهر رمضان المعظم يأتينا بالبهجة فتدب في البيت خطوات غير عادية . فقد كان حلول شهر الصوم هو احد المواسم التي ترسم خارطة الحياة وتعد بالسرور وتفضي الي موسم اخر يحدد معالم بهجة الدنيا الصغيرة التي نسكن.

كانت الحياة مواسم وافراح. كنا نكثر الدعاء في رمضان ويلف كل منا يقين بأن الدعاء يستجاب. وكانت ليلة القدر تداعب خيالي الطفل من فرط ما اسمعني ابي كلاما عنها حتي انني بت ساهرة ليلة بطولها- او هكذا خيل الي- في انتظار طاقة النور التي ان رايتها تحققت كل احلامي. والواقع هو ان النوم غلبني في آخر الليل فما رأيتها. والواقع ايضا هو انني نسيت ما كنت انوي الدعاء به في تلك الليلة من طفولتي البعيدة. ومع ذلك مازلت اعد ذلك اليوم يوما من ايام البهجة.

بالامس جلست مع صديقة عزيزة بادرتني بهذا السؤال: اين ذهبت ايام البهجة؟
آلمني انها لم تكن تشعر بالبهجة التي اشعر بها تيمنا برمضان فقلت لها ان البهجة لا تفني ما دمنا احياء. فهي في دواخلنا نستحضرها متي شئنا. حقيقي اننا نتغير بمضي الزمن وتتغير الظروف ولكن البهجة تبقي جزء من خزائن الغالي والنفيس. قلت لها اين الموبايل؟ اخرجت كل منا جوالها وكنت البادئة بالاتصال بأخي الكبير واخي الصغير, وهما كل ما تبقي لي من اخوتي. سمعت احدهما يرد فلعلعت بأغنية رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه قبل ان اقول مرحبا. فسمعت ضحكته علي الطرف الاخر. الهمت صديقتي فخابرت اقاربها. ثم قمنا معا وركبنا السيارة الي السوق لشراء شيء مميز كانت امهاتنا تعده لافطار رمضان. ثم عدنا لكي نكمل الحديث.
قلت لها اننا نحن من نصنع البهجة حين نحدد مواسم البهجة. ذكرتها بأننا في الزمن البعيد لم نكن نمتلك موبايلات ولا سيارات ولا تليفزيونات ولا قنوات فضائية بالمئات ومع ذلك كانت البهجة كل البهجة ان نلتف حول مذياع لكي نسمع دراما اذاعية مسلسلة مازال جيلنا يتذكر حواراتها وشخصياتها الطيبة والخبيثة وتعاودنا البهجة كلما تذكرنا كم عوقب الخبيث وانتصر الطيب.
رددت علي مسمع صديقتي جزءا من اغنية تذكرتها من مسلسل اذاعي بعنوان علي بابا والاربعين حرامي:
علي بابا بعد الضنا لابس حرير في حرير
سدد ديونه وبني له قصر عالي كبير
والست مرجانه
اهي قاعدة نشوانة.

بعد الحوار قمنا لاداء صلاة العشاء وجلست كل منا الي جوار الاخري تائهة في مدارات الفكر والذكري. لم اقل شيئا ولكن تمنيت ان يمتد من وجداني تيار يوحي لها بألا تأسو علي ما فات وان تفرح بما بين يديها الان وليس اقله القدرة علي مناجاة من خلقنا لشكره علي كل نعمة والاعتذار عن كل هفوة وطلب الستر في الدنيا والرحمة في الاخرة.
قبل ان تودعني سألتها: الا تعتبرين صداقتنا جزءا من ايام البهجة؟
لعلها قصدت ان تجاملني حين قالت نعم بلا تردد.
فوزية سلامة[center]